المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد | كيف تحولت الأفكار إلى نظريات اقتصادية

الإنسان كائن تاريخي، لا يفهم حاضره إلا من خلال دراسة ماضيه. كما أن مستقبله محكوم -إلى حد كبير- بتراثه التاريخي، ومن هنا كانت أهمية الدراسات التاريخية لكل فروع المعرفة. وعِلم الاقتصاد ليس استثناءًا على أية حال. فى ضوء هذه الحقيقة، نجد أن دراسة الفكر الاقتصادى ومدارسه – ومن أهمها المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد –  تساعدنا على مزيد من الفهم [1].

ولأن أي بناء لا يُقام بين ليلة وضحاها، فكذلك أي علم أو فرع من فروع المعرفة لم يظهر للوجود فجأة، فنظريات علم الاقتصاد نشأت تدريجيًا نتيجة العديد والعديد من الأفكار والنقاشات بين رجالات الفكر والعلم. ومن هذا المنطلق نكتب لكم هذه السلسلة حول مختلف المدارس الاقتصادية التي أسست لهذا العلم ورسمت ملامحه التي نراها اليوم.

أما عن “المدرسة الاقتصادية”، فنقصد بها هنا مجموعة العلماء والمفكرين الذين كانوا يتشاركون وجهات نظر متجانسة حول المواضيع الاقتصادية المختلفة. فرغم أن لكل مفكر فيها إنتاجه الخاص، إلا أن جميع مفكريها يشتركون في الأسس ذاتها ويدافعون عن منهج واحد في التفكير الاقتصادي.

ولكي لا نعود بكم إلى الوراء كثيرا؛ اخترنا أن نبدأ عرضنا للمدارس الاقتصادية بأشهرها على الإطلاق، ألا وهي “المدرسة الكلاسيكية”.

منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر، شهد علم الاقتصاد طفرة كبيرة مع ظهور المفكر الاقتصادي آدم سميث الذي وضع أولى اللبنات التي ساهمت في بناء علم الاقتصاد الحديث وجعله علمًا منفصلًا بذاته عن باقي العلوم والمجالات البحثية. ثم جاء بعده جان بابتيستساي صاحب قانون الأسواق الشهير (العرض يخلق الطلب). ولا يمكننا أن ننسى طبعا دافيد ريكاردو صاحب قانون الميزة النسبية أولى لبنات نظريات التجارة الدولية، وغيرهم الكثيرين من رواد المدرسة الكلاسيكية الذين هم أوائل الاقتصاديين الذين أسسوا مبادئ هذا العلم في العصر الحديث وتبقى أعمالهم ونظرياتهم هي التي مهدت الطريق لمن بعدهم. سواء أكملوا طريق الدفاع عن الحرية الاقتصادية واقتصاد السوق، أو انتقدوا هذه النظرية.

وسنتناول حديثنا عن نظرة الكلاسيكيين للاقتصاد عبر عدة محاور نبرز فيها إنتاج المدرسة الكلاسيكية في نقاط بسيطة مقتضبة :

المحور الأول لنظرية المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد : دور الفرد

وهكذا تتحقق المنفعة العامة انطلاقًا من سعي كل شخص نحو تحقيق مصلحته الخاصة.

المحور الثاني لنظرية المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد : دور السوق

المحور الثالث لنظرية المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد : دور الدولة

فالدولة إذا تدخلت في الأسواق ستفسد عملها الطبيعي الفعَّال بشكلٍ قد يهدد حدوث المنافسة الكاملة التي يراها رواد المدرسة الكلاسيكية أفضل ما يمكن الوصول إليه. وبالتالي فلا يوجد شيء أفضل تستطيع الدولة أن تقدمه للاقتصاد. وعليه فأقصى ما يمكنها تحقيقه هو أن تكون “سكرتارية” لرجال الأعمال تساعدهم وتذلل لهم العقبات وتوفر الأمن داخل البلاد وتحمي حدودها الخارجية ما يهيئ المناخ اللازم لقيام العمليات الاقتصادية داخل الأسواق.

المحور الرابع لنظرية المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد : دور النقود

أما النقود فهي بالنسبة للكلاسيك مجرد “عربة لنقل قيم المنتجات” من فريقٍ إلى فريق آخر، أي أننا نستخدمها فقط لتسهيل التبادلات بيننا، وبالتالي فالنقود وسيلة وليست غاية، فالغاية نفسها هي الحصول على السلع والخدمات لاستهلاكها وتحقيق المنفعة، أو استثمارها لجمع الثروة.

ومن هذا المنطلق، فإن الطلب على النقود يكون لإتمام المعاملات التجارية فقط، وبالتالي فهو مشتق من الطلب على السلع والخدمات؛ فإذا ارتفع الطلب على السلع والخدمات، يرتفع الطلب على النقود أيضا؛ لأن وظيفة النقود الوحيدة هي الوساطة في عملية التبادل.

نظرة الكلاسيك للثروة

يثمن الكلاسيك الموارد الاقتصادية للدولة كافة، من العمل ورأس المال والأرض وكذلك الأعمال الحرة، فضلًا عن جميع الأنشطة الاقتصادية من زراعة وتجارة وإنتاج، بل واهتموا بالتبادل التجاري الدولي، ورأوا أن كل ذلك يسهم في تنمية ثروة الأمة؛ لذا فالثروة الحقيقية في نظرهم تتمثل في السلع الاستهلاكية والاستثمارية، لا في كمية النقود التي يمتلكها الفرد.

خاتمة

وعلى الرغم من كم الانتقادات الموجهة لهذه المدرسة إلا أن أحدًا لا يستطيع أن ينكر قيمة الأفكار والنظريات التي قدمتها في مجال الاقتصاد والتي أسست فيما بعد لإنتاج فكري غزير سواء جاء ليتمم ويضيف على ما جاء به الاقتصاديون الكلاسيك، أو كان هدفه بيان مواطن الخلل فيه، أو حتى جاء ليناقضه ويأتي بعكسه. وسنكمل رحلتنا مع هذا الإنتاج الفكري المتميز لمَن أتوا بعد الكلاسيك في المقالات القادمة.

[1]الببلاوي، حازم. دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي. مصر: دار الشروق، 1995.

Exit mobile version