مترجم | توازن ناش – مدخل إلى نظرية الألعاب

يدَّعي علماء الاقتصاد أنهم يمتلكون القدرة على تفسير أحداث الماضي والتنبؤ بما قد يحدث في المستقبل، ويستعملون لذلك أدوات مساعدة عديدة أهمها ما يسمى بـ “توازن ناش” نسبة إلى الاقتصادي الشهير “جون ناش” الحائز على جائزة نوبل سنة 1994.

يساعد هذا المفهوم البسيط الاقتصاديين في حساب تقديرات تساعدهم على التنبؤ بالأسعار التي ستحددها الشركات المنافسة لمنتجاتها، كما يساعد أيضًا الحكومات في تصميم المزادات العمومية للضغط على مقدمي العطاءات ليتسنى لها تحقيق أقصى استفادة ممكنة من العروض المقدمة، بالإضافة إلى إمكانية استخدامه في تفسير ردات فعل الشركات تجاه تلك المزادات.

ما هو توازن ناش وما أهميته؟

لفهم أهمية ما يعرف بـ “توازن ناش” سنستعين بما يسمى “معضلة السجين

افتراضات المعضلة

تقوم المعضلة على عدة افتراضات، أهمها:

يمكننا تلخيص الأمر في رسم توضيحي كالتالي:

بشكل عام، فإن الإنكار وعدم الاعتراف هو الخيار الأمثل الذي يضمن للسجينين معًا أقل عقوبة ممكنة، ولكن الاقتصادي المدرك لمفهوم “توازن ناش” يتوقع حدوث العكس (ويكون الاعتراف هو النتيجة الوحيدة المستقرة في ذهنه عند شروعه في اتخاذ القرارات).

وطبقاً لـ”توازن ناش” ، فإن أفضل قرار قد يتخذه الشخص هو ما يتم بناءً على وضعه في الحسبان ما قد يفكر به الآخرون (مثل لعبة الشطرنج، لا يقوم اللاعب بتحريك قطعة إلا بعد التفكير في تحركات خصمه المستقبلية) حيث يكون هذا القرار أفضل قرار يمكنه تحقيقه، وأي قرار آخر قد يتخذه عدا هذا القرار سيكون أسوأ.

لماذا سيعترف السجينان على بعضهما؟

في حالة “معضلة السجين” فإن عدم اعتراف أحد السجناء ليست فكرة جيدة بغض النظر عما قد يفعله السجين الآخر. لماذا؟

لأنه يجب أن يأخذ أحد الأطراف [السجين (أ) مثلًا] في اعتباره أن الطرف الآخر (ب) ربما سيقوم  بالاعتراف عليه لينقذ نفسه ويتم الإفراج عنه. وعلى هذا النحو يصبح الاعتراف هو أفضل الخيارات المتاحة إذا نظر كل منهما لمصلحته الخاصة (خصوصًا أن إمكانية التواصل بينهما معدومة). 
لنضع أنفسنا مكان السجين (أ) ولنحاول أن نرى كيف يمكن أن يفكر! فإنه قد يفكر بالشكل التالي :

تستطيع القيام بالتفكير مكان السجين (ب) بنفس المنطق وستجد نفس النتيجة: الاعتراف أفضل في كل الأحوال.

نعم، هكذا يفكر أي إنسان عاقل. في مصلحته فقط!

قرار السجينين بالاعتراف هو أفضل قرار يمكن أن يقوما به إذا فكر كل واحد منهما في مصلحته الشخصية وانعدمت سبل التواصل والاتفاق بينهما. وهذا ما يسمى “بتوازن ناش”.

تطبيقات توازن ناش

“توازن ناش” يُمَكن من فهم كيفية اتخاذ القرارات التي تحقق أقصى منفعة بالنسبة للفرد ولكنها تؤثر بالسلب على باقي أفراد المجتمع، المفهوم الذي يطلق عليه (تراجيديا المشاع) والذي يفسر أسباب القيام البعض بالاستخدام السيء للموارد المشتركة، كقيام البعض بالإفراط في صيد الأسماك لتحقيق أقصى ربح؛ في حين أن ذلك السلوك يضر بالثروة السمكية التي هي ملك للجميع. وكذلك يمكن من تفسير أسباب الانبعاث الزائد من الكربون في الغلاف الجوي؛ نتيجة للاستخدام المفرط للمحروقات في عمليات الإنتاج.

ففي حين توافق الجميع على إظهار قدر من ضبط النفس للحفاظ على البيئة وثروات المجتمع، فإن الوضع سيصبح أفضل حالًا لجميع الأفراد؛ ولكنه سيؤثر بالتأكيد على منافع الأفراد الذين قاموا بخفض كميات الإنتاج لتقليل الانبعاثات أو أولئك الذين قاموا بخفض كميات الأسماك التي يتم اصطيادها للحفاظ على الثروة السمكية.

وعمليًا، فقد ساعد تطبيق هذا المفهوم الحكومة البريطانية في زيادة عائداتها المالية، حيث قامت بالاستعانة “بتوازن ناش” في تصميم مزاد بيع تراخيص تشغيل شبكات الجيل الثالث لشركات الاتصالات وبلغت إيراداتها حوالي 35.4 مليار دولار، واعتمدت حيلتها على اعتبار المزاد بمثابة لعبة وقامت بتطويع قواعدها لتصبح أفضل الاستراتيجيات لمقدمي العطاءات هي تقديم عروض من خلال المزايدة في الأسعار. وعلميًا قد تطور هذا المفهوم وأصبح يتم الاعتماد عليه كأحد المداخل الحديثة للتحليل الاقتصادي الجزئي. إضافة إلى استخدام المفهوم في التخطيط الإستراتيجي والعسكري كمثال.

Exit mobile version