مدخل إلى الاقتصاد الكلي | من قاع البحيرة إلى سطحها

الاقتصاد

موضوع مبهم عند كثير من الناس رغم تأثيره المباشر في حياتهم اليومية، فكل منا يقوم يوميَا بقراراتٍ ذات طابعٍ اقتصاديّ – كالبيع والشراء والعمل الربحي – وكل هذه القرارات تحددها عوامل اقتصادية بحتة – كأن يحدد راتبك الشهري كمية السلع التي تستهلكها وأن تحدد الحالة الاقتصادية للبلاد قيمة راتبك أو إن كنت ستجد عملَا وتقبض أجراً من الأساس – لكن و مع كل ذلك ورغم تأثرنا بالاقتصاد فأغلبنا لا يفهمونه.

مصطلحات كـ”الناتج الإجمالي” و”التضخم” و”الميزان التجاري ” تظل عالقًة في أذهان البعض على أنّها مجرد طلاسم يسمعونها تُردد مرارًا وتكرارًا في البرامج التلفزيونية أو على صفحات الجرائد، رغم أهميتها القصوى وتأثيرها المباشر والضخم على حياتنا اليومية، وهذاللأسف يجعل بيننا وبين الفهم الصحيح للواقع الذي نعيشه حاجزًا كبيرًا يمنعنا من رؤية واقعنا بشكل سليم.

ألف باء

هدفنا أولًا وأخيرًا هو إزالة اللبس والغموض بهدم هذا الحاجز الذي يَحُول بين الناس وبين الفهم الجيد لواقعهم؛ لنمكنهم من اتخاذ قراراتهم الاقتصادية بالشكل المطلوب في ظل فهم جيد لما يحيط بهم من أحداث، ولكي لا تكون وسيلة معرفتهم الوحيدة هي الإعلام وأيضًا لكي يستطيع قُرّاؤنا الأفاضل أن يمتلكوا أدواتِ تحليلِ الواقع الاقتصادي أو فهمه بشكل جيد على أقل تقدير.

الوجه الآخر للعملة

يمكنك أن تعتبر الاقتصاد بحيرة كبيرة، وأن الناسَ في دراستها نوعان:
فقد يدرس البعض تفاصيل بعينها، كبعض النباتات والطحالب التي تنموا في قعر البحيرة أوعلى جنباتها ،أو أنواع الأسماك التي تعيش داخل البحيرة و كيفية سباحتها.

أما بالنسبة للبعض الآخر فالأمر مختلف، لذلك فهم يدرسون البحيرة كوحدة كبيرة، ويهتمون بدراسة النظام البيئي فيها، فيدرسون مناخ البحيرة ككل ويحللون أسباب فيضان البحيرة أو جفافها، الهرم الغذائي للأسماك – من يتغذّى على من – ليحددوا الظروف التي من المفترض أن تمكن البحيرة من تحقيق التوازن البيئي فيها.

قد فسرنا في المقال السابق طريقة الدراسة الأولى للبحيرة..أقصد للاقتصاد! أما في هذا المقال التمهيدي، فسنوجه أنظارنا إلى النوع الآخر من الدارسين الذين يعتبرون أن البحيرة -الاقتصاد- وحدة كبيرة وكيان مستقل. لكن وقبل ذلك ينبغي لنا أن نُنَوّه بأن هاتين النظرتين للاقتصاد ليستا متناقضتين لكن تكمل إحداهما الأخرى، فإذا كان النوع الأول ينظر إلى الاقتصاد بكونه فاعلين اقتصاديين يحاول كل منهم أن يحقق مصلحته الخاصة وأن يشبع حاجاته ورغباته بأكبر شكل ممكن، يبقى للنوع الثاني نظرةُ كليةُ وشاملة تعتبر الاقتصاد وحدة كاملة لا تتجزء ولذلك ينبغي دراستها على هذا الأساس.

لعلكم عرفتم الآن لمَ يسمي الاقتصاديون هذا الفرع بـالاقتصاد الكلي ولماذا سمّوا الفرع الذي يقابله بـالاقتصاد الجزئي، فبقدر عدم أهمية التعريفات الأكاديمية المنمقة للفرعين، يظل من المهم جدًا على كل واحد منّا أن يفهم الفروقات الجوهرية بين النظرتين الكلية والجزئية للاقتصاد، فلكل واحدة منهما دورها و أسلوبها والأسئلة التي تهتم بالإجابة عنها.

وكما في مدخلنا عن الاقتصاد الجزئي سنختم هنا أيضًا بأهم الأسئلة التي يحاول الاقتصاد الكلي الإجابة عنها:
ما الذي يحدد مستوى النشاط الاقتصادي في مجتمع ما؟ ما الذي يجعل هذا النشاط يرتفع أو ينخفض؟ كيف نقيس هذا التغير؟ كيف ينمو اقتصاد دولة ما؟ وكيف نقيس هذا النمو؟ ما الذي يجعل بعض الناس لا يجدون عملًا رغم أن هناك العديد من المصانع متوقفة عن العمل؟! ولماذا نشعر أن كل شيء يصبح ثمنه أغلى يومًا بعد يوم؟ ولم نُضطر أن نشتري سلعًا من دول أخرى رغم أن هناك مصانع مقفلة وأناس لا يجدون عملًا؟

أسئلة كثيرة وغيرها تتوقف إجاباتها على عوامل عديدة سنتطرق إليها تباعًا في المقالات القادمة.

Exit mobile version