تقليص عجز الموازنة بالإستدانة | بين المؤيد والمعارض

هل يمكن أن يكون العجز مفيدا؟

بعد أن قرأت هذه السلسلة من المقالات وتعرفت فيها على عجز الموازنة والاستدانة التي بإمكانها أن تحد من هذا العجز، أظنك الآن مقتنعا بشكل قاطع بأن عجز الموازنة ما هو إلا مرض قاتل للاقتصاد بأضراره المختلفة.

ولكن هل فكرت للحظة أن وجود عجز يمكن أن يكون مفيدا وأنه في بعض الحالات يجب أن نسمح بوجوده؟

دعنا نضرب مثلا لنجعل الامرأكثر وضوحا:

عندما نذكر الحرب فالناس لا يفكرون إلا في الموت والخراب و الدمار ولكن هذه الحروب في بعض الأحيان يكون من الضروري خوضها فبإمكانك تخيل الأمر
إذا كان جزء من بلدك مغتصبا، بناء عليه ستخوض حربا لاسترجاع هذا الجزء حتى وإن كلفك هذا أرواح العديدين. نعم الحرب شر ولكنها هنا تعود بالنفع على
الشعب كله برغم ما يدفعه في المقابل.

وبالمثل، فكما يرى بعض الإقتصاديين العجز بكونه أمرا يجب تجنبه. يرى البعض الآن أنه ليس أمرا بهذا السوء. فقد يمكن أن نستفيد منه في بعض الحالات
وقد يكون وجوده ضروريا في حالات أخرى.

وسنذكر في هذا المقال كل رأي مدعم بحجته ودليله الاقتصادي.

الرأي الأول : الدائرة المفرغة لعجز الموازنة والدين العام

عندما تمتلك الحكومة عجزا في موازنتها فإنها قد تقوم بعدة اجراءات قاسية مثل زيادة الضرائب أو تقليل الدعم كما ذكرنا في المقال السابق أو أنها قد تلجأ للإستدانة.

الحكومة مثلها مثل أي شخص عندما يتعلق الأمر بالاقتراض. فهي تقترض بفائدة سنوية تدفعها في ميزانية السنوات القادمة فيما يعرف بخدمة الدين. وبالتالي فالفائدة السنوية (سنسميها من الآن خدمة الدين) ستزيد من مصروفات الدولة في السنوات القادمة، وبالتالي (في حالة عدم تقليل المصروفات و زيادة إيرادات الدولة) فسيزداد العجز.

لنأخذ مثالا بسيطا على هذا :

إذا اعتبرنا أن ميزانية دولة ما هي كالتالي:

لتقليص هذا العجز ستقترض الدولة قرضا بـ 20 مليار دولار. بفائدة سنوية 10% وبالتالي فتحصل هذه السنة على 20 مليارا. و يجب عليها أن تدفع كل سنة جزء من الدين مضافا إليه الفائدة. وبالتالي يجب أن ترد الدولة 22 مليار دولار على 10 سنوات. بحيث يجب أن تدفع كل سنة 2,2 مليار دولار كل سنة من موازنات ال10 سنوات القادمة.

لنعتبر أن الدولة للأسف لم تزد من إيراداتها أو تقلل من مصروفاتها السنة القادمة. ماذا سيحدث لموازنتها؟

كيف ستقلل الحكومة هذه الزيادة في العجز؟؟

بالضبط ! قد  تقللها بالاستدانة مرة أخرى و هكذا تستدين الحكومة لسد العجز فيزيد العجز بسبب الفائدة فتستدين مرة أخرى ونستمر في هذه الحلقة المفرغة
التي لايمكن الخروج منها.

لنأخذ هذه المرة مثال من دولة عربية ولنذهب إلى مصر لنرى ما حدث فيها وفقا للبيانات المالية للموازنة المصرية للاعوام من 2014 و حتى 2016.

يمكن أن نبسط هذه الدائرة المفرغة باستعمال الرسم التالي: 

الان وقد فهمت عمليا ما هي تلك الدائرة المفرغة لننتقل الان إلى الرأي الاخر والذي يقول بأنه لا مانع من وجود العجز.

الرأي الثاني: يمكن لعجز الموازنة أن يكون مفيدا

هناك رأي له حججه يقول بأن عجز الموازنة أمر يمكن السماح به في حالات خاصة ولتحقيق أهداف محددة. بل قد يجب على الحكومة خلق هذا العجز عمدا
بأن تزيد مصروفاتها لحل بعض المشاكل الاقتصادية. وسنذكر بعض هذه الحالات.

فعلى سبيل المثال فقد بلغ حجم الدعم والمنح الاجتماعية و الاستثمارات في الموازنة المصرية لعام 2012/2013 مايقرب من 37.7 % من إجمالي المصروفات الحكومية, وقد بلغ العجز في هذه السنة 134.995 مليون جنية.

هل عجز الموازنة العامة أمر جيد أم سيء؟

قد يكون لكل فريق أدلته وحججه النظرية الواقعية. وقد تكون قد اقتنعت بأحد وجهتي النظر أو قد تكون لازلت محتارا بخصوص الرأي الأصح.

دعني أقلل من حيرتك وأقول لك مثالين الأول عن دولة بها عجز ميزانية والثاني عن دولة عندها فائض

هل العجز يعني أن الاقتصاد الأمريكي اقتصاد ضعيف؟ وهل فائض موازنة ألمانيا يعني أن اقتصادها أفضل حالا من الاقتصاد الأمريكي؟ طبعا لا.

وجود عجز الموازنة من عدمه  ليس هو ما يجعل الاقتصاد ضعيفا أو قويا. لكن المهم هو كيف تقوم الدولة بالانفاق الحكومي. وماذا تفعل بالديون التي تحصل عليها.
هل تصرفها في القطاعات المهمة لتخلق بنيات تحتية واستثمارات تساهم في النمو الاقتصادي؟ أم تستخدمها في أمور بدون عائد مستقبلي على الاقتصاد؟

وجود العجز من عدمه ليس ما يجب أن نركز عليه. بل السؤال الأكبر: هل تقوم الحكومة بإدارة إيراداتها ومصاريفها بطريقة فعالة؟

Exit mobile version