هكذا تحدث الأشياء (3) | النقود كدَين

هذا المقال هو الجزء الثالث من لسلة المقالات التي تتحدث عن قصة أحمد في الجزيرة المنعزلة التي لا نقود فيها.  إذا لم تكن قد قرأت المقالين السابقين بعد، ننصح بشدة قراءتهما قبل العودة لإكمال هذا المقال.

    يُنهي الابن واجباته المدرسية ويتوجه مسرعًا نحو أبيه، لكن هذه المرة يجلس في مكانه المعتاد دون أن يقول شيئا. نظر الأب إلى ابنه مبتسمًا ثمّ قال:


يجلس أحمد في مكانه المعتاد وحوله رجال القبيلة ثم يقول:

 الحل هو: ألّا تقوموا بالمقايضة “مبتسمًا كأنه يعرف رد فعلهم مسبقًا”

يصمت قائد القبيلة لبرهة، يتذكر كل المجهود الذي بذله في تطبيق نظام الأصداف (الحل الأول الذي اقترحه أحمد) وفي السُلطة الإضافية التي ستصبح في يده إذا ما كان مسؤولًا عن جمع النقود الجيدة وتوزيعها، وفي الفرصة التي ستضيع عليه إذا ما تم تطبيق الحل الثاني، ثم قال بشيء من الحدة:

ينظر الحاضرون إلى بعضهم البعض دون أن يجرؤ أحد منهم على معارضة زعيم القبيلة. يعتذر أحمد ويخرج مسرعًا من مجلس القبيلة .

  تمر الأيام وقد عيّن رئيس القبيلة بعض المقربين منه لإدارة النظام النقدي في القبيلة، وقد بدأت الأمور  ترجع إلى سيرها الطبيعي وبدأ النظام الجديد في الاستقرار، وفي أحد الأيام وأحمد جالس في مكان منعزل يأتي الصياد وهو يتصبب عرقًا!

تحلّق الطائرة بعيدًا عن الجزيرة، وقد حملت معها أحمد وصديقه الصياد.

ينظر أحمد إلى نافذة الطائرة ليرى الجزيرة تبتعد أكثر فأكثر، ويطرق رأسه في حزن، ماذا فعلت يا أحمد!

هكذا تنتهي رحلتنا مع أحمد، حيث تعرّفنا على كيفية إنشاء النقود؛ فالاقتصاديون يزعمون أنه مع تطور البشر وتحولهم من جامعي ثمار أو صائدي حيوانات إلى اكتشافهم الزراعة ونشأة المدن والمجتمعات، أصبحت عمليات التبادل أكثر تعقيدًا؛ مما جعل النقود تظهر على شكل نقود سلعية تطوّرت لتحتكرها المعادن الثمينة. وعند قيام المدن والإمبراطوريات والدول، تمّ سك هذه النقود لتتحول للشكل الذي هي عليه اليوم.
قصة جميلة أليس كذلك؟ فقد ساعدتك  على فهم النقود بشكل أكبر بلا شك.
الجميل فيها أنها منطقية، تبدأ باقتصادٍ بدائي بلا نقود ومليء بالمشاكل (كالحال الذي وجد عليه أحمد الجزيرة) إلى الحياة في اقتصادٍ نقدي تسهُل فيه التبادلات وتتحسن فيه ظروف الناس بفضل النشاط الاقتصادي الذي أصبح أسهل بكثير (كالاقتصاد المعتمد على الأصداف كنقود).
لكن هل هذا ما حدث حقًا؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم بإذن الله.
أما إذا كنت في شكٍ من فعالية الحل الثاني الذي عرضناه في هذا المقال فدعني أخبرك أن هذا النظام لا زلنا نستخدمه إلى اليوم والأمر ليس غريبًا على الإطلاق، فالنقود الرسمية التي نستخدمها اليوم تعتمد بشكل كاملٍ على الديون (وسنفصّل هذا الأمر في المقالات القادمة)، بل إن النظام مغروسٌ بعمق في حياتنا اليومية. ألا تتذكر صحن الحلوى الذي كانت تعطيه لك أمك لتأخذه لبيت الجيران؟ أكان الصحن يرجع فارغًا؟ إنه دينٌ دون أن يكون دينًا، وهدية دون أن تكون هدية، وهكذا يا صديقي..”تحدث الأشياء”.
Exit mobile version