ضيوف ألف باء

أسئلة حول البيتكوين | العالم المشفر

كانت عملية الانتقال من مرحلة المقايضة إلى مرحلة النقود نقلة نوعية كبيرة ساعدت على إتمام المعاملات المالية والاقتصادية بشكل أسهل وأسرع، وشجعت الإنسان على المضي قدمًا فى طريق التطوير والتحديث في أشكال النقود وأنواعها للمزيد من السرعة والسهولة فى إتمام كل أشكال المعاملات المالية لزيادة معدلات النمو والاستثمار والتبادل التجاري المحلي والدولي فكانت النقود السلعية ثم النقود المعدنية فالورقية وصولًا إلى محطة النقود الافتراضية.

 فهل أصبحت المحطة الأخيرة للنقود، محطة النقود الافتراضية، مرحلة من مراحل التطور على الصعيد النقدي والمالي؟  حيث دعت إليها حاجة العصر الالكتروني والرقمي واستدعتها ظروف العصر وأدواته.أم أنها مجرد ظاهرة وشكل من أشكال المضاربات المشبوهة؟! حيث لم يخطر ببال مبتكرها أي مساهمة أو مشاركة فى وصول القطار النقدي إلى مبتغاه وهدفه حيث الوصول لقمة النضج النقدي والمالي؟

التصور الأخير تؤيده بعض الشواهد الخاصة بتلك الظاهرة منها على سبيل المثال الغموض الذي يحيط بمبتكر تلك العملات… ساتوشي ناكاموتو !! من ؟! اليابان ؟!

أطلق الرجل أول نسخة من برنامج عمل البيتكوين 2009 سنة بعد أن كتب مجموعة القواعد التي تساعد على التعامل مع البرنامج سنة 2008 وأرسلها من خلال بريد مشفر إلى بعض المواقع الاقتصادية ثم ترك الرجل عالم العملات الافتراضية وتفرغ لأعمال أخرى كما ذكرت  بعض المواقع ليكون برنامج البتكوين ملكًا للجمهور بلا صاحب ولا قائد!! الناس تصدر العملات وتحدد قيمتها، والناس تتبادل هذه العملات فيما بينها. انتبهوا أيها السادة الطائرة متوجهة خارج المدينة بلا قبطان، فعلى جميع الركاب ربط حزام الأمان وتوخي الحذر. فالمسؤول عن الطائرة الآن هم ركابها لا قيادة لا دولة ولا مكان للهبوط!!

نشطت الصحافة في البحث عن الشخصية الحقيقية المخترعة للعملات الجديدة.. من هو هذا الساتوشي؟!.. أعلن دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة أنه هو ساتوشي في أبريل 2017 ومن قبله شخصيات كثيرة قامت بفرقعات من هذا النوع ككريغ رايت رجل الأعمال الأسترالي لكن ثبت كذب الجميع بعد فشلهم فى الإجابة على الكثير من الأسئلة الدائرة حول العملة المشفرة.

هذا الرجل، صمم البرنامج، كتب القواعد ثم رحل في صمت. المخترع مشفر… العملة مشفرة… الحسابات مشفرة … في عالم.

رغم كل ذلك فقد قفز سعر العملة إلى 16 ألف دولار لوحدة البتكوين  لتصبح أقوى عملة في العالم، وتحتل جزءًا كبيرًا من ثروة العالم. فهل تشفر كل ثروات العالم المالية؟! هل تختفي كل الأجهزة الرقابة؟ أم تستعين الأجهزة الرقابة بمخترقين وقراصنة وجواسيس؟!

 إن الغموض يحيط بالنظام  كله من المؤسس للمالك مرورًا بالوسطاء والمقامرين .. أم يكون سبب الغموض والتخفي هو الخوف من أباطرة النظام النقدي العالمي والمؤسسات التي تقف خلفه والدول الكبرى التي تحميه؟! وهل هذا الغموض هو أحد الأسباب الرئيسة للقفزات السريعة في أسعار تلك العملات؟! أم سيكون السهم القاتل للظاهرة برمتها؟
لكن يبقى السؤال الأهم، هو في أى مرحلة من مراحل تطور النقود غاب الرفض والتشكيك من قبل الحكومات والشعوب في أهمية الخطوة الجديدة؟ بل فى سوء نية القائمين عليها أنفسهم؟!

فالدولار نفسه القائد الكبير للعملات الورقية تعرض لهزة عنيفة بعد قرار نيكسون فك ارتباط الدولار بالذهب وهو ما يعرف بـ”صدمة نيكسون” وخاصة أن الدولار كان العملة الدولية الرئيسة في نظام بريتون وودز. فقد هيمن الدولار الأمريكي على كل تعاملات العالم الاقتصادية وكان محور النظام كله ليكون بذلك القاعدة الخرسانية التى تم عليها باقي البناء العملاق الجديد والواجهة الاقتصادية للدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.

اهتزت الثقة في العملات الورقية بشكل كبير، وتجمعت حمم البركان منذرة بانفجار وشيك رغم وقوف الولايات المتحدة بثقلها السياسي والاقتصادي وراء الدولار ومحاولة فرضه على العالم. هنا بدأت الأيادي الخفية تقوم بدورها المعهود، انتهى عالم الاتفاقيات الرسمية ليبدأ عالم الاتفاقيات المشبوهة والسرية. فما كان لعملة دولة ما مهما كانت قوتها أن تسيطر على كل العملات وكل المعاملات كل تلك الفترات دون الدور الرئيس لتلك الأيادي الخفية وتلك الصفقات المشبوهة.

ساعدت الاتفاقية التي عقدت بين أمريكا والسعودية على وقف التدهور السريع الذي حدث للدولار بعد صدمة نيكسون حيث سارعت كل الدول للتخلص من الدولار الأمريكي بأي ثمن تقليلًا لحجم الخسائر المتوقعة ومحاولة استبدال الاحتياطي النقدي الدولاري بأصول أخرى ذات قيمة حقيقية ملموسة أو سلة عملات جديدة  فقرار الحكومة الأمريكية غير المسؤول أفقد العالم الثقة فيها وفي عملتها وجاءت الاتفاقية الجديدة التي ربطت بين الدولار الأمريكي والبترول السعودي والخليجي لتعيد الثقة فى الدولار مرة أخرى كعملة وحيدة قادرة على شراء الذهب الأسود من دول الخليج .

 ولعل هذا ما يمثل أكبر تحدٍ أمام العملات الافتراضية الجديدة حيث لا حماية بواسطة حكومات قوية ودبابات وطائرات ورشاوي وعمولات من أي مصير أسود يواجهها!!  فنظام العملات الافتراضية والرقمية يقف عاريًا وحيدًا ينتظر من يتبناه أو من يطلق عليه الرصاص!!

الأيام القادمة ستجلي لنا كل تلك الحقائق بخصوص العملات الافتراضية ومدى قبول المجتمع لها. وهل ستكون مرحلة جديدة وهامة من مراحل التطور النقدي والمالي أم فقاعة وظاهرة ليس إلا ستختفي كما تختفي كل الظواهر عديمة القيمة والمعنى؟ وكيف سيتعامل معها المشرِّع الإسلامي؟

وهل يمكن إصدار عملة رقمية جديدة تخدم وتوحد العالم الإسلامي والعربي؟ أم سيقف العالم الإسلامي والعربي كما هي العادة أمام الظاهرة لا يحرك ساكنًا حتى ينتهي العالم الغربي من بلورة الظاهرة بشكل كامل فى شكل قوانين رسمية ويتم بناء الهيكل الخارجي وتُقدَّم للعالم في ثوب جديد من اختراعه ثم نكون نحن من أواخر المدعوين على حفل الافتتاح.

أيمن عبد الدايم

باحث ماجستير اقتصاد إسلامي بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية

تعليق واحد

  1. جميل.ولكن عندما نجهل بعلم ما ،نرده للغرب او الشرق وننسى ان لدينا منبع العلم من الاساس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى